مقالات : الام الرؤوم بقلم محمد عبد الله جبارة - حياه نيوز | Haya News مقالات : الام الرؤوم بقلم محمد عبد الله جبارة

مقالات : الام الرؤوم بقلم محمد عبد الله جبارة

 
مقالات : الام الرؤوم بقلم محمد عبد الله جبارة



ما زلت وسأظل متذكرا نبراتها وهمساتها ونظراتها تتردد في جوانحي كوقود لا ينضب ما بقيت علي وجه الأرض،

أتذكرها منذ كنت طفلا يتحسس الطريق في أيامه الأولي، وأتذكر كلماتها التي لا تُنسي في مراحل حياتي المختلفة

فتي يشب ويبدأ الرحلة ، وأتذكرها يافعا وشابا ورجلا، كان صنيعة أم بمثابة الحياة لأهتدي إلي الطريق وأسير بخطوات ثابتة تظن أنها تعرف ما تريد وتسعي لتحقيق رؤية الأم الرؤوم في ولدها.

كيف لي أن أنسي حضناً دافئاً اتسع لنا في كل وقت وحين واختبأت فيه في أقسي المواقف التي مررت بها فكان دائما داعما ودافعا ومعالجا، هو الحصن الحصين والحافظ من كل سوء وبدعائها تعبر سفينتي بحر الحياة المتلاطمة أمواجه من بلد إلي بلد ومن مكان لآخر تظل نظراتها تحاكيني وتدفعني ،

أتذكر تلك الأيام التي كانت بانتظاري ، فأُقِبل يدها ورأسها وتجذبني إليها لتضمني وتحتضنني. كانت تعرف وتشعر بمجيئي قبل أن أطرق الباب وكأن لها حاسة استشعار عن بعد ، لم أكن أستغرب كيف كانت تميز صوتي وخطواتي .

عندما كنا صغارا كانت تميز ملابسنا رغم تشابه ألوانها ومقاساتها فلم تخطئ يوما فترتب لكل واحد منا ملابسه في مكانها الخاص .

ولا يفوتها أن تخيط ما تمزق منها وتثبيت الأزرار الخاصة بالقمصان أو البيجامات ،كان كل ذلك في صمت وحب ، تستيقظ مع طلوع الفجر لتجهيز كل الأطعمة الشهية والفطور الطازج مهما كان بسيطا فهو شهياً ، تصنع كل شيء بنفسها وبمهارة من خبز ومخللات ومربات بكافة الأطعمة وتقوم بتخزين ذلك وتحفظه بعناية فائقة لتكفي شهورا طويلة والطيور تقوم بتربيتها بكل أنواعها لنستمتع بلحومها وبيضها .

ولم تنس أبدا نصيبا لجيرانها والفقراء من كل ما كانت تطهوه خصوصا الأطباق التي اندثرت الآن من موائد الطعام مثل البصارة والفول النابت والكحك والبسكويت في الأعياد ولأني كبيرها وسندها كانت ترسلني بالطعام الطازج إلي جيراننا من المسيحين والمسلمين على سواء في أيام الأعياد أو غيرها من الأيام لهم من كرمها نصيب

تعلمت منها الكثير من الدروس مثل رقة القلب والصلابة في الوقت نفسه ، لا تكف عن العمل لا تشكو، لا تعاتب كلماتها مسموعة في كل الشئون حتى وإن كان قولها بنظرة خاطفة تعبيرا عن الرضا أو عدمه وغالبا ما كان رأيها سديدا.

افتقدتها كثيرا عندما انتقلت بمرحلة من حياتي للسفر وعرفت كيف لطعامها نكهة ومذاق خاص، وكثيرا ما فكرت وهي التي لم تنل حظا وافرا من التعليم كيف كانت تطعم وترعي هذا العدد من الأبناء حتي تخرجوا من الجامعات وحققوا النجاح في الدراسة والعمل؟.. كان ذلك كل ما يشغلها .

هو النجاح في الحياة بالحب والتقدير للآخرين كانت تشعرني دائما أني الكبير المميز والأفضل وتفعل نفس الشيء مع أخوتي لتمنحنا الثقة في النفس والاعتزاز والشعور بالكرامة وحب الخير للآخرين والتسامح مع المسيء.

كنت أري أولادي في حضنها وكيف تعاملهم كما عاملتني وعلمتني بالحب والحنان .

إن العين لتدمع كلما أتذكر تلك الأيام والأحاسيس والمشاعر لقد فارقتنا ولم أستطع تقبيل يدها ورأسها كما كنت من قبل ، فارقنا الحنان الذي لا ضفاف له ذلك الذي كان يتسع العالم كله، ما أصعب فراقها ، الأيام دونها صَعُبت .. امتلأ المكان الفارغ منها بالوحدة ، فما كانت ترسله لي من دعوات كانت تشعرني أني لا أغادر قلبها وعقلها وكانت تلك الدعوات والكلمات بلسم الحياة لن أنسي كلماتها ما حييت

تلك الدعوات الجميلة وقولها "ربنا يحبب فيك خلقه حتي الحصي في أرضه " دعوة تلخص الإيمان والإنسانية وعبقرية التربية ومن يحظى بحب خلق الله يحظى بحب الله .

لا أنسي لحظة عودتها من رحلة الحج والسعادة تملأ قلبها ووجهها وهداياها لي ولأبنائي الصغار ومدي فرحتهم وتعلقهم بها .

اهدتني دعوات أمام الكعبة بالبيت الحرام بالستر لي ولأولادي وحب الناس لي والنجاح في العمل .

كم أشتاق لكِ ولنظرتك ولدعواتك ، تهفو روحي لروحها حيث ترقد بأرض الله في سلام وأمان.

سلام لك يا أمي ورحمة ومغفرة من الله عز وجل

أخوكم

محمد عبد الله جبارة

مدير عام إدارة السنبلاوين التعليمية

إرسال تعليق

أحدث أقدم