مقالات : احتياج للراحل احمد خالد توفيق - حياه نيوز | Haya News مقالات : احتياج للراحل احمد خالد توفيق

مقالات : احتياج للراحل احمد خالد توفيق

احتياج

بقلم / احمد خالد توفيق

أمسكت غيداء بالكوب ونظرت إلى شريف مفكرة.


مقالات : احتياج للراحل احمد خالد توفيق
الكاتب احمد خالد توفيق

قالت له: - «شريف .

أعرف أنك تهيم بي حباً وأنك تتعذب.

هذا شيء لا يفوت الأنثى أن تلاحظه.

لا شك أنك تعتبر صوتي ترنيمة سماوية من الملائكة، وتعتبر خطواتي الرقيقة صوت خطوات الحظ إذ يقرع بابك، وتعتبر عيني شمسين صغيرتين تطلان على عالمك.

لا شك أنني أتسلل إلى أحلامك كثيراً ولا شك أنك تعانقني في الحلم، ثم تصحو، فلا تجد سوى الظلام والفراش الكئيب ورائحة عرقك على الوسادة.

صدقني أنا أفهم هذا جيداً فأنا من لحم ودم.

ثم شفطت شفطة طويلة من اللبن المخفوق «ميلك شيك» البارد الذي كانت تشربه، ثم قالت: 

- نعم

أنا من لحم ودم.

هذه هي الحقيقة.


أعرف أنك لا تصدقها وتحسبني مصنوعة من عطر الأحلام، وتحسبني جئت من أكمام الأزهار.

أنا من لحم ودم.

صحيح أنني لا أحمل أي ميل تجاهك لكني أعرف كيف يكون الحب، وأعرف أنك تتوجع.

هلم!.

هذه النظرة المعذبة في عينيك.

أعرفها جيداً» ثم وضعت الكوب جانباً لتتناول بعض البطاطس المقلية من طبقها.

في أناقة راحت تسكب صلصة المايونيز والكتشاب على كومة البطاطس ثم تناولت بخفة بعض الأعواد ودستها في فمها، وقالت: - «هذه النظرة في عينيك.

أعرف الرغبة عندما أراها.

أنت تريدني بشدة وتتصور أن الجنة تكمن في الدنو مني وشم رائحة أنفاسي.

مسكين!.

لا أعرف كيف أحل هذه المشكلة، فأنا لم أعتد أن أمنح حباً على سبيل الشفقة.

تلك أشياء لا تُشترى على رأي الشاعر أمل دنقل» المزيد من البطاطس.

ثم مدت يدها في احترافية لتمسك بشطيرة الهامبورجر المكتنزة التي تطل منها قطعة الجبن الشيدر وشرائح الخس والطماطم.

وقالت: - «شعور غريب أن تشعر الفتاة بأنها معبود وثني، وأن هناك من يتهجد في محرابها.

صدقني ليس شعوراً مريحاً جداً.

صحيح أنه ممتع ويحرك نشوة لدى الأنثى، لكنه كذلك يلقي عليها مسؤولية هائلة».

وقضمت من الشطيرة قضمة كبيرة، ثم جففت ركن فمها بمنديل ورقي، وقالت وهي تمضغ: - «تشومب تشومب م م .

تقريباً لم تفارق عيناك وجهي وأناملي لحظة واحدة.

هذا يثير خجلي وارتباكي.

لا شك أنك تفكر كم هو رائع أن يلثم المرء هذه الأنامل النورانية البلورية.

كم هو جميل أن تعبث هذه الأنامل في شعرك.

صدقني أفهم هذا تماماً لكني لا أستطيع تحقيقه لك.

لماذا ؟ لأن قلبي ليس ملكي.

إنه جواد حرون لا يطيعني ويذهب حيث يشاء.

تشومب تشومب م م .

هل تفهم هذا على الأقل؟» ثم ازدردت قطعة أخرى من الشطيرة، وألحقتها بمزيد من البطاطس المقلية، وقالت: - «منذ أتيت للكلية، عرفت انك ستقع في هواي.

لكن الأمر لم يصل قط لهذه الذروة وأنا هنا جالسة معك في الكافتيريا.

أنت ببساطة توشك على الصراخ بصوت عال: أريدها!.

هه هه!.

أعرف أنك لن تفعلها لكن ماذا لو جننت وفعلتها؟.

أعرف جنون العاشقين جيداً.

تشومب تشومب م م» ومدت يدها للميلك شيك وشربت جرعة كبيرة أخرى، وقالت: - «الخلاصة أن بوسعك أن تعشقني.

بوسعك أن تعشق الأرض التي أمشي عليها وتجمع مناديلي الورقية لتدسها بين صفحات كتبك .

لا أمنعك.

هذا حقك الطبيعي، لكن من فضلك لا تقتل نفسك أو تجن.

لن أسامح نفسي لو فعلت هذا.

أنت تعرف كم أنا رقيقة مرهفة» كان ينظر لها في ثبات.

ثم ارتجفت شفته السفلى وابتلع ريقه.

هنا بدأت تفهم.

- «شريف.

أنت جائع!» هز رأسه ودمعت عيناه.

- «ليس معك مليم وتتمنى لو أكلت؟» هز رأسه من جديد وقال شيئاً بصوت مختنق.

فقالت: - «وكل هذه النظرات وكل هذا الشوق والاحتياج.

لم تكن تنظر لي.

كنت تنظر للشطيرة والميلك شيك والبطاطس!.

كنت أعتبر نفسي حسناء، لكن من الواضح أن شطيرة الهامبورجر أجمل مني بكثير.

لم يحاول أن ينكر.

لم يحاول أن يمنعها عندما طلبت له شطيرة وعصيراً.

تركته منتفخ الخدين يأكل كالأبقار، والعرق يغمر جبينه، وهو يوشك على البكاء من فرط التأثر والنشوة.

وضعت ورقة عملة تحت كأس الماء ونهضت قائلة: - «سوف نتكلم عن حبك اليائس لي فيما بعد.

أما الآن فلتستمتع بأكلتك هذه.

سلام.

إرسال تعليق

أحدث أقدم